لماذا يسمي أهل السنة والجماعة أنفسهم بهذا الاسم؟ وهل هذا يحقق وحدة المسلمين أكثر أم يفرقها؟
فقد كان المسلمون على الجادّة، متمسكين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ردحًا من الزمن، حتى نشأت فيهم الفرق المبتدعة؛ كالخوارج، ثم المرجئة، ثم الروافض، ثم الجهمية، وتميّزوا بأسمائهم وألقابهم عن جماعة المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة ومن هنا صار هذا اللقب علمًا على أهل السنة؛ لكونهم المتمسكين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، لا يحيدون عن ذلك، وهم لم يحتاجوا إلى هذا اللقب إلا ليتميزوا به عن أهل البدع والضلالات المختلفة، قال الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه: التنبيهات السنية: وقوله: أهل السنة: "أي: المختصون والمتمسكون بها، والمعتنون بدراستها وفهمها، المحكّمون لها في القليل والكثير، وسموا أهل السنة لانتسابهم لسنته - صلى الله عليه وسلم -، دون المقالات كلها والمذاهب، وقد سئل بعضهم عن السنة، فقال: ما لا اسم له سوى السنة، يعني أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون إليه سواها، خلافًا لأهل البدع، فإنهم تارة ينتسبون إلى المقالة، كالقدرية، والمرجئة، وتارة إلى القائل، كالجهمية، والنجارية، وتارة إلى الفعل، كالروافض، والخوارج، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها. انتهى وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله تعالى: وليس لهم -أي: أهل السنة والجماعة- رسم ومنهاج سوى منهاج النبوة (الكتاب، والسنة)؛ إذ الأصل لا يحتاج إلى سمة خاصة تميزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم معين هو الخارج من هذا. انتهى
وقد ذكر ابن القيم في الصواعق طرفًا من علامات أهل السنة، فكان في ضمن ما قال
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَى مَقَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَا إِلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ، فَلَيْسَ لَهُمْ لَقَبٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، وَلَا نِسْبَةٌ يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا، إِذَا انْتَسَبَ سِوَاهُمْ إِلَى الْمَقَالَاتِ الْمُحْدَثَةِ وَأَرْبَابِهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ: السُّنَّةُ مَا لَا اسْمَ لَهُ سِوَى السُّنَّةِ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَقَالَةِ تَارَةً، كَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَإِلَى الْقَائِلِ تَارَةً، كَالْهَاشِمِيَّةِ، وَالنَّجَّارِيَّةِ، وَالضّرَاريَّةِ، وَإِلَى الْفِعْلِ تَارَةً، كَالْخَوَارِجِ، وَالرَّوَافِضِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ بَرِيئُونَ مِنْ هَذِهِ النِّسَبِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا نِسْبَتُهُمْ إِلَى الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ. (وَمِنْهَا): أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ إِنَّمَا يَنْصُرُونَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَالْآثَارَ السَّلَفِيَّةَ، وَأَهْلَ الْبِدَعِ يَنْصُرُونَ مَقَالَاتِهِمْ، وَمَذَاهِبَهُمْ. انتهى
وإذا علمت هذا، وتبين لك أن هذه التسمية ليست إلا علمًا تميز به أهل السنة عمّن عداهم من أهل البدع، وإنما اضطرّوا إلى ذلك لمّا فشت البدع، وتسمّى أهلها بالأسماء الحادثة المبتدعة؛ فاعلم أن أهل السنة دعاة وحدة واتفاق، فهم يسعون إلى لمّ شعث المسلمين، وتوحيد صفّهم، وجمع كلمتهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لاعتقادهم أن هذا هو طريق النجاة الأوحد، قال الله: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا {آل عمران:103}.
ونهى عن التفرق والاختلاف في غير ما موضع من كتابه العزيز، وكان أهل السنة هم أشدّ الناس تمسكًا بهذا، وحرصًا عليه، وأعظمهم دعوة لاجتماع كلمة المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدِّين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين؛ فإن الله تعالى يقول: [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ] {الأنفال:1}، ويقول: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا] {آل عمران:103}، ويقول: [وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران:105}، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف. وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة. انتهى
من هم أصحاب السنة والجماعة؟ وما هي صفاتهم؟ ومتى نكون منهم؟
أصحاب السنة والجماعة هم الذين يعملون بكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، ويتمسكون بهما ويدعون إليهما، وهم أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة، الصحابة وأرضاهم ومن سار في ركابهم واتبع طريقهم قولًا وعملًا، وعظم الكتاب والسنة واحتج بهما واعتمد عليهما، هذا هو صاحب السنة.
وهم أهل السنة الذين يأخذون بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ويعتمدون عليهما ويتبعون من سلك هذا السبيل من أصحاب رسول الله ﷺ وأتباعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، الصحابة ومن سلك سبيلهم كمالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي ومن تبعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة الذين وحدوا الله سبحانه واعتقدوا أنه المستحق للعبادة، وآمنوا بأسمائه وصفاته، ووصفوه بها جل وعلا من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة؛ وحدوا الله واستقاموا على دينه، وآمنوا به وبصفاته، وخصوه بالعبادة، وآمنوا بأنه رب العالمين وخالقهم، وبأنه سبحانه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11]، وخالفوا الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع، هؤلاء هم أهل السنة الذين تبعوا الصحابة واستقاموا على طريق الصحابة قولاً وعملاً وعقيدة
وعقيدة الصحابة هي توحيد الله، وإخلاص العبادة له ، واتباع أوامر الله، وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بأسمائه وصفاته، ووصف الله بها على الوجه اللائق به سبحانه، وليس في ذلك تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بذلك ويمرونها كما جاءت عملًا بقوله سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:1-4]. وبقوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11]، .
التسمية
أهل السنة والجماعة لقب جرى استعماله منذ فترات متقدمة من تاريخ الإسلام للدلالة على أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث ومن تبعهم وسار على طريقتهم، ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق بين المسلمين، فلم يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لم يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن وقع اختلاف بين الأئمة المجتهدين في غير ذلك من المسائل الفرعية فهو أمر أقره الشرع، وغالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعون على هدي النبوة، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «المسلمين» أو أهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل العلم أو القراء أي: المتعلمون أو الفقهاء بمعنى علماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ٥٢﴾ [المؤمنون:52]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣﴾ [الأنعام:153]. وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال.
وأصل التسمية قبل أن تكون لقبا متعارفا عليه قد جرى استعمالها عند أئمة أهل السنة في عصر السلف، حيث كانوا يستعملون عبارة: أهل السنة بمعنى: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين وهم أئمة أهل العلم الشرعي الذي يحمله من كل خلف عدوله، وكانوا يستعملون كلمة: السنة بمعنى العلم في الدين عموما، فيقولون مثلا: فلان أعلمهم بالسنة، والمقصود من هذا هو العلم بالشريعة، ولما وقعت الفتنة التي ظهرت أحداثها بالخروج على الخليفة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء وأدت إلى مقتله بدء ظهور استعمال تسمية أهل السنة في تلك الفترة، وبحسب ما جاء عن ابن سيرين أن لقب أهل السنة يراد به أئمة علماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك أن وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى علم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي صحيح مسلم: عن محمد بن سيرين قال: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم» عن ابن سيرين قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم». وفي رواية للترمذي في العلل: عن ابن سيرين قال: «كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع». روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم»". فالسنة التي جاءت في كلامه بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وأهل السنة هم أهل العلم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية العلم في الدين، فأهل السنة يراد بهم أهل العلم المشتمل على الرواية والدراية معا، وقد ذكر ابن سيرين أهل السنة في مقابل أهل البدعة، وأهل السنة كانوا في حينها يفسرون أهل البدعة بأنه يشمل جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما لا أصل له في الشريعة، كالخوارج والقدرية وغيرهم من الفرق التي ظهرت في العصور السابقة، فإنهم تكلموا في الدين بأهوائهم، روى البخاري في صحيحه تعليقا في وصف الخوارج ما نصه: «وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين»
وقد ألف علماء السلف في بيان عقيدتهم وإيضاحها والرد على المخالفين، المؤلفات الكثيرة مدعومة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي من الكثرة بحيث لا يكاد أحد يستطيع حصرها. ومن أجلّ علماء السلف ومؤلفيهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله وله مؤلفات في بيان عقيدة السلف والذب عنها، منها ما دونه بنفسه ومنها ما دونه تلامذته في مؤلفاتهم. ومن كتبه في الحديث المسند وقد جمع فيه أحاديث كثيرة بين فيها عقيدة السلف ضمن تلك الأحاديث التي أوردها، وكتب في بيان العقيدة الكتب الآتية: السنة ..... الإيمان .... الرد على الزنادقة .... فضائل الصحابة.
تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة
وفي ختام هذه الدراسة الموجزة عن السلف وعقيدتهم أحب التنبيه إلى ما وقع فيه بعض الناس من إطلاق عبارات ومفاهيم لا تتفق مع عقيدة السلف ومنهجهم بزعم أنها هي العقيدة الصحيحة السلفية متأثرين فيها بشتى المذاهب المخالفة ومؤثرين في غيرهم ممن قلت معرفتهم بحقيقة مذهب السلف وكل ذلك ناتج عن جهل بحقيقة معاني تلك الكلمات وتلك المفاهيم وهي كثيرة بحيث لا يستوعبها وقت كتابة هذه العجالة ولكن أشير إلى أهمها ولأهميتها وخفائها أيضاً أحببت أن أنبه إليها إخواني طلاب العلم وكل من يراها نصيحة لهم ودفاعاً عن العقيدة تتمة لدراسة فرقة السلف الطائفة المنصورة جمعتها من شتى المصادر. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء الذين يخطئون في جوانب من العقيدة بعضهم على مستوى من المعرفة والثقافة ولكن الكمال لله تعالى والتذكير ينفعهم {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (266) فقد يكون للشخص أخطاء في جوانب ولكنه في جوانب أخرى لا يشق له غبار
والمشكلة ليس الوقوع في الخطأ - فهذا شأن الإنسان - ولكن الخطأ هوالإصرار على الخطأ لأن الإصرار على الخطأ ليس من سمة طلاب العلم بل علامتهم وشعارهم دائماً {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (267) و"الحكمة ضالة المؤمن" فإن من طلب الزيادة في العلم زاده الله ومن أصر على ما عنده من المعرفة فقط فكأنه يقول بلسان حاله لا أريد زيادة على ما عندي والله تعالى يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} (268) وفيما يلي بيان ما تقدمت الإشارة إليه الزعم بأن التفويض في الصفات هومذهب السلف وذلك أن عقيدة السلف في هذا هي الالتزام التام بما جاء في كتاب الله تعالى أوفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الوحيين كل النصوص تؤكد على الإثبات في الصفات لا على التفويض وهوما كان عليه الصحابة في اعتقادهم في باب الصفات وما كان عليه سائر التابعين ومن تبعهم بإحسان وسائر من كتب من السلف في العقيدة من المتقدمين والمتأخرين لم يخالف إلا من خرج عن هديهم
ومن المزاعم الباطلة أيضاً قول البعض أن السلف يمرون الصفات كما جاءت دون فهم معانيها وهذا غير صحيح فإن السلف إنما يريدون بإمرارها كما جاءت في الكيفيات لا في معانيها فإن كيفية الصفات من الأمور المجهولة والسؤال عنها بدعة أما المعاني فواضحة ومعقولة الزعم بأن الله تعالى في كل مكان واستدلالهم بآيات معية الله لخلقه وتفسيرهم لها بأنها المعية الذاتية لله تعالى عن ذلك فإن السلف فسروا هذه المعية من الله تعالى بأنها إحاطة علمه عزّ وجلّ بجميع ما يجري فلا يخفى عليه شيء وذاته تعالى فوق عرشه وهومع كل مخلوق بعلمه وإحاطته الزعم بأن السلف يعتقدون أن الله في السماء أي في داخلها أوأنها تحيط به أوأنه بإحدى السماوات تحوزه تعالى الله عن ذلك فإن هذا ليس من أقوال السلف بل هومن أقوال أهل البدع لأن معنى أن الله في السماء أي في مطلق العلوفوق عباده وفوق عرشه هكذا عقيدة السلف كما قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}
الزعم بأن السلف مجسمة أوحشوية أومشبهة أوجبرية أوقدرية أونابتة أوغثاء أوغثراء أوغير ذلك من الألقاب التي أطلقت على السلف نبزاً لهم فإن مذهب السلف هوبخلاف ذلك كله كما اتضح في دراستنا السابقة الزعم بأن آيات الصفات من المتشابه قول لأهل البدع لا لأهل السنة الذين يعتقدون أنها من المحكم المعروف المعنى القول بأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة أوأنه لا فرق بينهم وبين أهل السنة هذا قول من يجهل الفرق بينهم في قضية الصفات وغيرها من القضايا التي خالفوا فيها السلف. لأن أهل السنة يثبتون كل الصفات من غير تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل والأشاعرة لا يثبتون الصفات كلها كما هومعلوم من مذهبهم بل يؤولون أكثرها بحجة التنزيه وهواعتقاد فاسد لا يقره أهل السنة والجماعة القول بأن الأشاعرة هم المتمسكون بمذهب الأشعري رحمه الله، وهذا الخطأ نشأ من عدم اعتراف هذه الطائفة برجوع الأشعري رحمه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة كما صح عنه ذلك وكما قرره في كتبه كالإبانة والمقالات وغيرها وقد صرح بما لا خفاء به بأنه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى
فأهل السنة -بحمد الله- دعاة وحدة وائتلاف، وليسوا دعاة فرقة واختلاف، وإنما يريدون جمع المسلمين على كلمة سواء، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم ينصرون الحق، ويرحمون الخلق